تابع[i][quote][code]
الكبار أيضاً
ولدراسة ردود أفعال من يفرطون في مشاهدة التليفزيون، قام فريق من الباحثين الأمريكيين بتجارب مهمة اعتمدت على رصد أمواج المخ وسرعة ضربات القلب أثناء المشاهدة الطويلة. وأظهرت النتائج التي سجلها جهاز موجات المخ، أن النشاط الفكري كان محدودا جدا، وأن موجات "ألفا" المعبرة عن درجة هذا النشاط تقل خلال المشاهدة عما تكون عليه أثناء القراءة. كما كشفت هذه التجربة أن الإحساس بالاسترخاء ينتهي عند إطفاء الجهاز ويستمر انخفاض النشاط الذهني. وأشار فحص المشاركين إلى أن التليفزيون استحوذ عليهم، وامتص في الوقت نفسه بعض طاقاتهم الفكرية.
وتمكن الباحثون من جمع بيانات عن آلام التوقف عن المشاهدة شبيهة بمعاناة الإقلاع عن المخدرات. وأظهرت النتائج أن التليفزيون أشد إغراء من العلاقات الاجتماعية، وتبين أن حياة الذين يفرطون في مشاهدة التليفزيون حياة غير متوازنة بسبب هذه العادة التليفزيونية وهي أقرب إلى حياة مدمني المخدرات أو الكحول! فهم يعيشون في نمط مسيطر عليهم، ولا يهتمون بالأنشطة المؤدية إلى التطور والإحساس بالإنجاز! فالمشاهدة في كثير من الأحيان تشوه معنى الوقت وتقلل العلاقات الاجتماعية، وتقلل من فرص التواصل بين الأسرة.
ويربط العلماء بين الإسراف في المشاهدة وبين الإدمان.. فالضيق والتوتر الذي ينتاب مدمن التليفزيون عند إصابة الجهاز بخلل أو انقطاع التيار الكهربائي أثناء الجلوس أمامه يشبه ما تفعله العقاقير المهدئة التي تسبب إدمانا عند افتقادها. بل يذهب بعض العلماء إلى حد تشبيه إدمان التليفزيون بالمخدرات، فالناس يعانون أعراضا مشابهة لأعراض الإقلاع عن المخدرات، عندما تقل أو تتوقف مشاهدتهم للتليفزيون.
وكشفت دراسة أمريكية أن الكبار أيضا قد لا يستطيعون السيطرة على تأثير ما يقدم عبر شاشة التليفزيون؛ حيث إن آلاف المتابعين للمسلسلات التليفزيونية يتفاعلون مع أحداث المسلسلات إلى حد أنهم يشعرون بأعراض الأمراض الخطيرة التي يشتكي منها أبطالهم على الشاشة. وتقدم الدراسة كثيراً من الأدلة على مدى تأثير المسلسلات التليفزيونية في طريقة إدراك المشاهدين لحالتهم الصحية. ويرى الاختصاصيون أن المخاوف الصحية التي يكتسبها البعض من خلال مشاهدة التليفزيون تساهم في زيادة حجم الأعباء التي يواجهها الأطباء.
وكانت دراسة بريطانية أيضاً قد أظهرت النتائج نفسها؛ حيث ثبت أن أعدادا كبيرة من المرضى الذين تدافعوا لزيارة أطبائهم اشتكوا من أعراض أصيبت بها شخصيات في مسلسلات بريطانية.
رؤية إعلامية
يعلق الدكتور أحمد عبد الملك – الخبير الإعلامي– على أسباب ضعف دور الأسرة التربوي في عصر الاتصال والانفتاح الثقافي بأن مفهوم الإشراف الأسري على الأبناء قد تغير وأن هناك خللا في تحديد هذا المفهوم بثقافة التنشئة وتكبير الأبناء دون النظر إلى مدلول التربية، أو اتجاهات التنشئة، وانعكاسات ذلك على كثير من المعايير القيمية التي يقوم عليها بناء المجتمع العربي والإسلامي؛ فلم تعد الأسرة الحاضن الوحيد والمناسب للنشء، فقد وفرت لنا مخرجات الثورة التكنولوجية أنماطاً من وسائل الترفيه واللهو مما جعل دور الأسرة هامشياً .. ولا أدل على ذلك أن ما يقضيه الطفل من وقت مع التليفزيون أكثر مما يقضيه مع والديه أو حتى في المدرسة.
ويشير الدكتور عبد الملك إلى دراسة أمريكية حول الانفصال العاطفي حيث أكدت هذه الدراسة أن التليفزيون يجمع العائلة فيزيائياً ويفرقها عاطفياً، لذلك قد لا نستغرب أن نشاهد فتاة لا تأكل مع أهلها وتذهب الخادمة بالطعام إلى غرفتها وقد يمر يومان أو ثلاثة دون أن تجلس مع والديها، فهذا التفكك الأسري الذي نعيشه هو ضريبة الحياة الاستهلاكية التي تم استيرادها من الغرب، دون محاولة إيجاد توازن بين مخرجات التكنولوجيا وحاجيات المجتمع العربي، ونتج عن هذا التفكك مفاهيم جديدة غريبة عن مجتمعاتنا العربية.
وينصح الدكتور عبد الملك الوالدين في إطار التعامل مع التلفزيون بالآتي :
• تحديد وقت مشاهدة الطفل لهذا الجهاز المدمر بحيث لا يتعدى الساعتين .
• عدم تشغيل جهاز التليفزيون أثناء الوجبات، مع تجنب وجوده في غرف النوم .
• محاولة استبدال التليفزيون بوسائل أخرى تقدم برامج ملائمة للطفل .
• تشجيع الأطفال على ممارسة الأنشطة المختلفة داخل البيت وخارجه.
• تجنب التعامل مع التليفزيون كجليس للأطفال وضرورة مشاركة الأهل ومساعدة الأطفال على فهم ما يشاهدونه.
• مساعدة الطفل على مقاومة إغراءات الإعلانات التجارية وتشجيعه على العادات الغذائية الصحيحة .
ويؤكد الدكتور عبد الملك أهمية أن يبدأ الأهل بأنفسهم قبل أن ينصحوا أبناءهم فلا نتوقع من الأبناء أن يكون لديهم ضبط للمشاهدة إذا كان آباؤهم أو أمهاتهم يقضون الأوقات الكثيرة أمام الجهاز.
أما الدكتور أحمد عكاشة رئيس "جمعية الصحة النفسية العالمية" فيحذر من زيادة الاضطرابات العاطفية والسلوكية للأطفال والمراهقين في المنطقة العربية برمتها، وقال: "لم يعد هناك أب وأم يربيان الأبناء ويتحدثان إليهم، ويتواصلان معهم، بل يوجد الآن فقط تلفزيون؛ فقد حلت التلفزة محل الأبوة والأمومة!، وأتحدى أن يمضي أي منا أكثر من نصف ساعة مع ابنه أو ابنته في الحديث بعيداً عن وسائل الاتصال والترفيه الحديثة، ولاسيما التليفزيون.
من جانبها ترى الباحثة الإعلامية نهى العبد أن أسلوب مشاهدة التليفزيون من قبل الأطفال له آثار سلبية طويلة المدى. وتقول: "البعض يعتبره إنجازاً ورمزاً للتواصل الأسري، حينما تلتف الأسرة حول شاشة التليفزيون لمشاهدة فيلم أو برنامج ما. لكن هذا ليس تواصلاً، إذ يكون كل من أفراد الأسرة منغمساً في عالم منفصل.
وتضيف الباحثة أن غياب رقابة الأهل وعدم مساهمتهم في اختيار الأفلام والبرامج التي تصلح للمشاهدة بالنسبة للأطفال والمراهقين يوازي مسؤولية القائمين على المحطات والمسؤولين عن الإعلام بصورة عامة في إفساد المجتمع وتشجيع الأجيال الصاعدة على الانحراف.
وتدعو الباحثة الإعلامية الوالدين إلى تخصيص وقت يجتمعا فيه مع الأبناء يتبادلون خلاله الحديث من دون مؤثرات خارجية.